إفتتاحية
الرهاب الاجتماعي
الأستاذ الدكتور/ عبدالله عبدالرحمن –
أستاذ الطب النفسي جامعة الخرطوم
بكلاريوس
الطب والجراحة، الدكتوراة الاكلينكية في الطب النفسي، دبلوم الطب النفسي للأطفال
والشباب
يتميز الرُهاب الاجتماعي الذي يُشار إليه
أيضًا باسم اضطراب القلق الاجتماعي، بخوف كبير ومستمر من المواقف الاجتماعية أو
مواقف الأداء مما يُعرض المرء للإحراج.(1) غالبًا ما يؤدي هذا الخوف
إلى تجنب الأفراد لمثل هذه المواقف تمامًا، أو تحملها بقلق أو ضيق شديدين. وقد
اعترف الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية بهذه الحالة رسميًا في عام 1980،
وكشفت الأبحاث اللاحقة أنها اضطراب متنوع مع مجموعة واسعة من الأعراض.(2)
يتراوح معدل انتشار اضطراب القلق
الاجتماعي بين عامة السكان من 2٪
إلى 5٪.
هذه النسبة أقل من المتوقع حيث أنه غالباً ما يتم الإبلاغ عنه هذه الحالة بشكل أقل
من اللازم. يمكن أن يؤدي الفشل في معالجة الرُهاب الاجتماعي إلى تطور اضطرابات
عقلية أخرى، وزيادة الإعاقة، وزيادة خطر الانتحار.(3) لذلك، يعد فهم الرُهاب
الاجتماعي ومعالجته أمرًا بالغ الأهمية في مجال أبحاث وممارسة الصحة العقلية.
أحد الجوانب الرئيسة للرُهاب الاجتماعي التي تتطلب الاهتمام، هو وجود تهيئات أو تخيلات محددة يمكن أن تديم الاضطراب.(4) يميل الأفراد المصابون بالرُهاب الاجتماعي إلى تفسير الأحداث الاجتماعية الغامضة في ضوء سلبي وتهويل الأحداث الاجتماعية السلبية إلى حد ما بطريقة كارثية. يمكن أن تؤدي هذه التهيئات أو التخيلات إلى زيادة القلق، والانخراط في سلوكيات البحث عن الأمان، وتجنب المواقف الاجتماعية. وبالتالي، فإن هذا قد يثير استجابات أقل دفئاً من الآخرين مما يعزز التصور الذاتي السلبي للفرد المصاب. وتقوّض هذه الدورة الكفاءة الذاتية للمصاب وتزيد من احتمالية التجنب الاجتماعي في المستقبل، مما يساهم في استدامة الرهاب الاجتماعي.(2،4) لذلك، فإن دراسة هذه التهيئات أو التخيلات وعواقـبها يرجى أن يؤدي إلى التعرف على استراتيجيات علاجية أكثر فعالـية لـلرُهاب الاجتماعي، مع تسليط الضوء على أهمية الأساليب المعرفية في فهم وعلاج هذه الحالة.
مسببات اضطراب القلق الاجتماعي أو
الرُهاب الاجتماعي معقدة وتتضمن مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية.(3،6،5)
وقد أشارت الأبحاث التي أجريت على التوائم والأُسر إلى وجود استعدادٍ وراثي للقلق،
مع ملاحظة معدلات توافق أعلى في التوائم أحادية الزيجوت مقارنة مع التوائم ثنائية
الزيجوت.(6) يشير هذا إلى وجود مستوى معين من الوراثة لـلرُهاب
الاجتماعي. ومع ذلك، من المهم ملاحظة
أن هذه الدراسات غالبًا ما تجد أدلة أقوى على الاستعداد العام تجاه القلق بدلاً من
وجود جينات وراثية محددة لـلرُهاب الاجتماعي.
بالإضافة إلى العوامل الوراثية، تلعب
التأثيرات البيئية أيضًا دورًا مهمًا في تطور مرض الرُهاب الاجتماعي. تُساهم عوامل مثل أنماط
الأبوة والأمومة، والتعرض للمواقف الاجتماعية، والنمذجة الأبوية في التجميع
العائلي لـلرُهاب الاجتماعي.(2،5،6)
وقدأُجريت دراسة على عينة مجتمعية من الآباء لبحث
دور العوامل العائلية والبيئية في الإصابة بالرهاب الاجتماعي.بحثت تلك الدراسة خطر
تأثير خمس سنوات على إصابة النسل بالرُهاب الاجتماعي، ووجدت أدلة على تأثير العوامل
العائلية والبيئية.(6)
تقترح النماذج التنموية أن عوامل الضعف،
بما في ذلك العوامل الوراثية والتثبيط السلوكي، تساهم في الاصابة بالخوف الاجتماعي
وسلوك التفادي.(5،6) يمكن أن يؤدي هذا إلى نمط حياة مقيد ويؤثر على
مسارات النمو. يُعتبر التثبيط السلوكي في مرحلة الطفولة عاملاً خطراً للإصابة
باضطرابات القلق الاجتماعي، بما في ذلك الرُهاب الاجتماعي.
يتم تشخيص الرُهاب الاجتماعي باستخدام معايير التشخيص مثل DSM-5 وICD-11. تشمل اضطرابات القلق الاجتماعي (الرُهاب الاجتماعي) كما هو موضح في DSM-5، مجموعة من الأعراض التي تتميز بالخوف أو القلق الكبير لدى الفرد في المواقف الاجتماعية التي تنطوي على تدقيق محتمل.(1) تشمل هذه المواقف تفاعلات اجتماعية مختلفة، يتم ملاحظتها أثنـاء الانخراط في الأنشطة. كالأكل والشرب، والعروض العامة. لتشخيص الرهاب عند الأطفال، ينبغي أن يكون القلق واضحًا في بيئة الأقران، حيث يخاف الفرد من التقييم السلبي، ويتوقع الإذلال أو الرفض بسبب السلوك غير المناسب أو أعراض القلق.
|
وتؤدي المواقف الاجتماعية الضاغطة باستمرار
إلى إثارة الخوف أو القلق، مما يؤدي إلى تجنبها أو تحمل التجارب التي تتسم بالضيق
الشديد. والمهم في تشخيص الرهاب المرضي ، أن الخوف أو القلق لا يتناسب مع التهديد
الفعلي الذي يشكله الوضع والسياق الاجتماعي والثقافي. ويسبب هذا الخوف المستمر،
الذي يستمر لمدة ستة أشهر على الأقل، ضائقة أو ضعفًا كبيرًا سريريًا في المجالات
الاجتماعية والمهنية أو غيرها من مجالات الأداء المهمة بما في ذلك التعلم، علاوة
على ذلك، يتميز الاضطراب باستقلاله عن التأثيرات الفسيولوجية للمواد أو الحالات
الطبية واستبعاده من أن يتم تفسيره بشكل أفضل من خلال أعراض الاضطرابات العقلية
الأخرى أو الحالات الطبية المتزامنة.(1)
يعتمد تقييم اضطراب القلق الاجتماعي على مجموعة متنوعة من المقاييس الموحدة التي تقيس الأعراض بشكل منهجي وتحدد شدة القلق الاجتماعي لدى كل من البالغين والأطفال.(3،5) تلعب هذه المقاييس دورًا حاسمًا في التقييمات السريرية والدراسات البحثية التي تركز على القلق الاجتماعي. تشمل الأدوات الجديرة بالملاحظة مقياس قلق التفاعل الاجتماعي (SIAS)، ومقياس الرُهاب الاجتماعي (SPS)، وSP وجرد القلق (SPAI)، وSP Inventory (SPIN). هناك أداة أخرى تستخدم على نطاق واسع للتقييم الذاتي وهي مقياس ليبويتز للقلق الاجتماعي - التقرير الذاتي (LSAS-SR). بالإضافة إلى ذلك، يتم تقييم البالغين أيضًا باستخدام أدوات مثل استبيان القلق الاجتماعي للبالغين، إصدار مكون من 30 بندًا (SAQ-A30)، بينما يتم قياس قلق الأطفال باستخدام مقياس القلق متعدد الأبعاد للأطفال (MASC)، والشاشة المنقحة لقلق الأطفال المرتبط به. الاضطرابات العاطفية (SCARED)، ومقياس قلق سبنس للأطفال (SCAS)، وجرد الرُهاب الاجتماعي والقلق للأطفال (SPAI-C)، ومقياس القلق الاجتماعي للأطفال المعدل (SASC-R)، ومقياس Liebowitz للقلق الاجتماعي للأطفال والمراهقين- التقرير الذاتي (LSAS-CA-SR). توفر هذه المقاييس المتنوعة إطارًا شاملاً للأطباء والباحثين لإجراء تقييم دقيق وفهم تعقيدات القلق الاجتماعي عبر مختلف الفئات العمرية.(7)
تشمل الأساليب العلاجية الحالية لـلرُهاب
الاجتماعي كلاً من العلاج الدوائي والعلاج النفسي.(8،3) وقد أثبتت
التجارب السريرية إمكانات مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) مثل الباروكستين والفلوفوكسامين في
علاج اضطراب القلق الاجتماعي بشكل فعال. وقد أظهرت هذه الأدوية فعاليتها في تخفيف
الأعراض. بالإضافة إلى ذلك، أثبت العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أنه نهج ناجح آخر لمعالجة اضطراب القلق الاجتماعي. ومن خلال
استخدام التقنيات المعرفية لتعديل أنماط التفكير والسلوكيات السلبية المرتبطة
بالقلق الاجتماعي، أظهر العلاج السلوكي المعرفي فوائد طويلة المدى للأفراد الذين
يعانون من ضعف معتدل. أظهر العلاج الجماعي أيضًا فعالية عند مقارنته بالمجموعات
الضابطة أو الحبوب الوهمية. ومع ذلك، فإن التدريب على المهارات الاجتماعية
والتدريب على الاسترخاء لم يسفر عن أدلة مقنعة على وجود تأثير محدد يُزيل القلق في
المواقف الاجتماعية. من المهم أن نأخذ في الاعتبار الاعتلال المشترك، أو وجود
اضطرابات أخرى، لأنه قد يؤدي إلى تعقيد استراتيجيات العلاج ويستلزم اتباع نهج
مخصص. لا يزال دور العلاج النفسي والدوائي المشترك أو المتسلسل غير واضح، وهناك
حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد استراتيجيات العلاج الأمثل لاضطراب القلق
الاجتماعي. (3،5،8)
يشمل
التعامل مع القلق الاجتماعي مجموعة واسعة من الاستراتيجيات القائمة على الأدلة.
أثبتت تقنيات الاسترخاء المختلفة، مثل التنفس العميق، واسترخاء العضلات التدريجي،
والتأمل الذهني، فعاليتها في تخفيف أعراض القلق. يمكن أن يساعد التعرض التدريجي
للمواقف الصعبة بشكل متزايد في إزالة حساسية الأفراد تجاه المحفزات المثيرة للقلق.
التدريب على المهارات الاجتماعية يمكن أن يعزز الثقة من خلال تدريس استراتيجيات
الاتصال الفعالة. (5،9) الانخراط في ممارسات الرعاية الذاتية، مثل
ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والنوم الكافي، واتباع نظـام غذائـي متوازن،
وإدارة الإجهاد، يمكن أن يساهم كل ذلك في الرفاه
|
|
ومن المهم أيضًا بناء شبكة داعمة وتحدي الحديث السلبي عن النفس. يمكن لتقنيات
اليقظة والقبول أن تساعد في مراقبة وقبول الأفكار القلقة دون إصدار أحكام. في حين
أن فعالية هذه الاستراتيجيات قد تختلف، فمن المستحسن طلب المساعدة المهنية لخطة
علاج شخصية تقدم إرشادات ودعمًا مخصصًا في إدارة القلق الاجتماعي.(4،5،9)
يمكن أن يختلف التشخيص والنتائج طويلة
المدى لاضطراب القلق الاجتماعي اعتمادًا على عوامل مختلفة. مع العلاج والدعم
المناسبين، يمكن للعديد من الأفراد الذين يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي أن
يشهدوا تحسنًا ملحوظًا في أعراضهم وأدائهم العام. وفي حالة عدم الاهتمام بالعلاج،
يمكن أن يستمر اضطراب القلق الاجتماعي ويتحول إلى مسار مزمن. (4،9)
يتضمن
هذا العدد من المجلة دراسة أجريت في كلية الفجر للعلوم والتكنولوجيا بين طلاب
الطب، لتقييم نمط توزيع الرهاب الاجتماعي وتأثيره على التحصيل الدراسي. قام بإعداد
البحث كل من رهف علي، أماني بُربُر وإقبال أبوكريق. تُعتبر هذه
الدراسة بشكل كبير إضافة للأدبيات الموجودة حول اضطراب القلق الاجتماعي بين الشباب
السوداني.
اعتمد الباحثون في هذه الدراسة تصميمًا
وصفيًا مقطعيًا واستخدموا مقياس الخوف الاجتماعي (SPS) من إعداد راولين ووي، والذي يُظهر دقة واتساقًا عاليين وضبطاً
داخلياً.
على الرغم من الإمكانات الإحصائية لمقياس
الخوف الاجتماعي، فمن الضروري ملاحظة أنه قد صمم في البداية لنوع معين من الخوف
الاجتماعي مرتبط بالاستعداد الوراثي لمرض انفصام الشخصية، مما يجعل تعميم استخدام
المقياس للرهاب الاجتماعي أكثر ملاءمة. غير أن اعتماد أخذ العينات الملائمة لجمع
البيانات يقلل من تمثيلية العينة بينما الأكثر ملاءمة هو تقنية أخذ العينات
الاحتمالية.
خلص
الباحثون إلى أن نسبة انتشار الرهاب الاجتماعي كانت 27.2٪ وهي نسبة تتجاوز
المعدلات المذكورة في الأدبيات. بينما النسبة المرتفعة للإناث تتفق مع الأدبيات
العالمية كما ذكرت جمعية الأطباء النفسيين الأمريكية.
|
|
|
|
تعتبر هذه الورقة بمثابة لفت للنظر وتُقَدِم
صورة أكثر دقة لحالة القلق الاجتماعي بين الشباب السوداني. يُعتبر اجراء بحوث إضافية،
بناءً على نتائج وتوصيات هذه الدراسة، أمرًا ضروريًا لفهم واقع اضطراب القلق
الاجتماعي بشكل كامل بين السكان السودانيين وخاصة الشباب.
المراجع:
1. First MB. Diagnostic and statistical manual of mental
disorders and clinical utility. 5th edition. J Nerv Ment Dis.
2013;201(9):727-9. doi: 10.1097/NMD.0b013e3182a2168a. PMID: 23995026.
2. Hofmann
SG, Heinrichs N, Moscovitch DA. The nature and expression of social phobia:
Toward a new classification. Clin Psychol Rev. 2004;24(7):769–97.
3. Den
Boer JA. SAD /social phobia: Epidemiology, diagnosis, neurobiology, and
treatment. Comprehensive Psychiatry, W.B. Saunders; 2000;41:405–15.
4. Stopa L, Clark DM. Social phobia and interpretation of
social events. Behav Res Ther. 2000;38(3):273-83. doi:
10.1016/s0005-7967(99)00043-1. PMID: 10665160.
5. Dilbaz N, Enez A, Yalcn S. Social Anxiety
Disorder [Internet]. Different Views of Anxiety Disorders. InTech; 2011.
Available from: http://dx.doi.org/10.5772/19367
6. Wittchen HU, Fehm L. Epidemiology and natural course of
social fears and social phobia. Acta Psychiatr Scand Suppl. 2003;(417):4-18.
doi: 10.1034/j.1600-0447.108.s417.1.x. PMID: 12950432.
7. Wong
QJJ, Gregory B, McLellan LF. A Review of Scales to Measure Social Anxiety
Disorder in Clinical and Epidemiological Studies. Current Psychiatry Reports.
Current Medicine Group LLC 1; 2016;18:1–15.
8. Alomari
NA, Bedaiwi SK, Ghasib AM, Kabbarah AJ, Alnefaie SA, Hariri N, et al. Social
Anxiety Disorder: Associated Conditions and Therapeutic Approaches. Cureus.
2022 Dec 19;
9. Stangier
U, von Consbruch K, Schramm E, Heidenreich T. Common factors of cognitive
therapy and interpersonal psychotherapy in the treatment of social phobia.
Anxiety Stress Coping. 2010;23(3):289–301.